recent
أخبار ساخنة

بحث حول الخبرة الطبية في المجال القضائي

الخبرة الطبية في المجال القضائي تُعتبر عنصرًا مهمًا في العديد من القضايا القانونية، حيث يتم الاستعانة بالأطباء والخبراء الطبيين لتقديم تقارير وتحليلات تساعد القضاء في فهم الجوانب الطبية المتعلقة بالقضية
بحث حول الخبرة الطبية في المجال القضائي
خطة
المبحث الأول : أنواع الخبرة الطبيّة 
المطلب الأول : الخبرة الطبية الشرعية
المطلب الثاني: الخبرة الطبية العادية
المبحث الثاني : كيفية الاستعانة بالخبراء الطبيين 
المطلب الأول: الجهات المخول لها ندب الخبراء الطبيين 
المطلب الثاني : إجراءات ندب الخبراء الطبيين ومهامهم 
خاتمة
المراجع

مقدمة :
إن الخبرة القضائية هي تدبير إجرائي يلجأ إليه القاضي في كل أمر يستلزم معرفة ضرورية في الوقائع ذات الطبيعة المركّبة، حيث يعهد القاضي بمقتضى هذا التدبير وبموجب سلطته التقديرية إلى واحد أو أكثر من الإختصاصيين البحث والتدقيق في الأسئلة المعروضة عليه والتي تكون من طبيعة فنّية صرفة، تدخل في اختصاصهم ومَعَارفهم بهدف إنارة الطريق أمامه في القضية المعروضة عليه لمعرفة الحقيقة وحسم النزاع تحقيقاً للعدالة المنشودة في كل حكم قضائي.
فالقضاء منذ القدم يستعين بالخبراء لأداء مهمته في الفصل بالقضايا المعروضة، لما لهذه الوسيلة من أهمية كبرى في إنارة الموضوع الذي يعالجه من النواحي المتّصلة بفن من الفنون أو علم من العلوم، مما قد لا يفتاح للقاضي معرفته والوقوف على دقائقه بغير هذه الخبرة دون أن يحدّ هذا من سلطته التقديرية في الأخذ بها أو رفضها وفقاً لضوابط وشروط محدّدة.
وقد ازدادت مسألة اللجوء إلى الخبرة مع تطوّر الحياة الإجتماعية والإقتصادية والطبية والتقنية.

المبحث الأول :أنواع الخبرة الطبيّة :
تعتبر الخبرة في المجال الطبي من أهم الخبرات القضائية باعتبار أن المسائل الطبية هي من المسائل الفنّية التي لا يمكن للقاضي أن يفلمّ بها. وعليه دائماً الرجوع إلى رأي أهل الخبرة والإختصاص كلما أثيرت مسألة تتعلّق بالحقّ في السلامة الجسدية أو النفسية في كافة فروع الطب وأقسامه المختلفة.
فالقاضي عندما ينظر في دعوى جزائية أو مدنية موضوعها الإنسان يكون ملزماً بالرجوع إلى الخبرة الطبية كي يتمكّن من الحكم في الدعوى على ضوء القانون والقواعد الأخرى المكملة له.
ويمكن هنا أن نفميّز بين نوعين من الخبرة الطبية التي مكن للقاضي أن يلجأ إليها بحثاً عن الحقيقة هما: الخبرة بواسطة الطب الشرعي والتي ترتبط غالباً بوزارة العدل وذلك لخطورة الدور الذي يلعبه رأي الطبيب الشرعي في نظرية الدعوى الجزائية، والخبرة الطبية العادية التي ينظّمها عادة جدول الخبراء في الدول التي يأخذ بنظام الجدول.
من أجل هذا فإننا سنبحث في هذا الفصل الخبرة بواسطة الطب الشرعي والخبرة الطبية العادية وفق ما يلي:
المطلب الأول : الخبرة الطبية الشرعية:
تعتبر الخبرة الطبيّة الشرعية عملاً هاماً وخطيراً في الدعوى الجزائية حيث تظهر تلك الأهمية والخطورة سواء على المدّعي المتضرّر والذي يكون ضحية إعتداء عندما يقوم الطبيب الشرعي بتقرير مدى الإصابة وشدّتها والتي يترتّب على ضوئها العقاب والتعويض. أو بالنسبة للمدعى عليه حيث تتوقّف حريته وشرفه وأحياناً حياته على تقرير الطبيب المذكور. لذلك تحرص وزارات العدل في العالم وفي معظم الدول العربية ومنها لبنان على أن يكون الأطباء المكلّفون القيام بمهمة الطب الشرعي أكفاء ويتمتّعون بالثقة والإستقامة من أجل النظر بالقضايا المفحالة إليهم من قبل الجسم القضائي العادي كالنيابات العامة وقضاة التحقيق والقضاة الجزائيون وفق ما هو معمول به لدى عدة أنظمة عربية ومنها لبنان أيضاً بحيث يعطي القسم الآخر من هذه الأنظمة وهي ذات الطابع العسكري بغالبيتها بالإضافة إلى الجسم القضائي أيضاً إلى ضباط الشرطة. أما المواضيع التي يمكن أن يتضمنها قرار تكليف الطبيب الشرعي فهي عديدة ومتنوّعة أهمها:

1.  مسألة الموت وعلاماته: حيث يفطلب إلى الطبيب الشرعي تحديد أسباب الوفاة وزمن حصولها مع إمكانية التعرّف على هوية الجثة كما يمكن أن يصدر القرار بفحص الملابس أو بإجراء التحليل النسيجي أو الجرثومي أو الكيميائي.

2.الجروح العادية من كدمات وكسور وحروق مع الإشارة إلى أثر الإصابة وخطورتها على حياة المصاب.

3.مسألة جروح الأسلحة النارية حيث يطلب من الطبيب الشرعي تحديد مكان دخول الطلق الناري وخروجه مع تعيين مسافة الرمي وغيرها من الأمور التي تففيد التحقيق في الوصول إلى تحديد المفعتدي وبيان حالة المعتدى عليه.

4.الإغتصاب حيث يتولى الطبيب الشرعي المكلّف تحديد ما إذا كانت توجد علامات تدلّ على الإغتصاب مثل فحص الدم الناجم عن عملية الإغتصاب وتمزّق غشاء البكارة وحالات الشدّة التي تعرّضت لها المجنى عليها وفحص ما يمكن أن يتركه من آثار كالشعر وغيره وفحص ثيابه لتحديد ما إذا كانت تظهر شيئاً من آثار المقاومة كالتمزيق مثلاً.

5.وغيرها من الجرائم والمواضيع التي يمكن أن يفكلّف بها الطب الشرعي كتقدير العمر وتعيين الجنس والبقع الدموية والمنوية وفحص الشعر وفئات الدم والمرض العقلي وغيرها.
أما بالنسبة لموضوع مسؤولية الأطباء الشرعيون فيخضع هؤلاء لقواعد المسؤولية المسلكية والمدنية والجزائية وفق الأنظمة والقوانين المعمول بها في كل دولة.

المطلب الثاني: الخبرة الطبية العادية:
حيث يخضع الخبراء الأطباء لنفس القواعد التي تحكم الخبرة بشكل عام وإن كل ما يميّزها هو طبيعة المهمة الموكلة إليهم.
أننا نجد في السنوات الأخيرة انتشار وتوسع مسألة ندب الخبراء في نزاعات لا تحتاج إلى خبرة فنية إذا أن المستندات وأوراق الدعوى كافية لاستخلاص الحقيقة بمعرفة القاضي دون حاجة لندب خيبر حيث أن بعض القضاة يعهدون إلى الخبراء بعض المهام التي تعتبر مسائل قانونية والتي هي من اختصاص القاضي وحده ولا يجوز له التنازل عنه للخبير، غير أنه يبقى للخبير القضائي نصيبه في العمل من أجل تحقيق العدالة وإقامة دولة الحق والقانون وعليه ارتأينا في بحثنا هذا التطرق أولا للإطار العام للخبرة من حيث تعريفها وخصائصها وطبيعتها القانونية وبما أن الخبرة طريق من طرق الإثبات وجب علينا التفرقة بينها وبين باقي وسائل الإثبات الأخرى التي يعتمدها القاضي في مسار البحث والتحري عن الحقيقة كالمعاينة التفتيش والشهادة .

المبحث الثاني : كيفية الاستعانة بالخبراء الطبيين :
تنص المادة 143 من ق. إ. ج على أن :" لجهات التحقيق أو الحكم عندما تعرض عليها مسألة ذات طابع فني أن تأمر بندب خبير إما بناء على طلب النيابة العامة وإما من تلقاء نفسها أو من الخصوم " وبما أن الخبير موكل شخص له دراية خاصة بمسألة من المسائل التي لا يأنس القاضي من نفسه الكفاية العلمية أو الفنية لحلها ولما كانت الخبرة هي إحدى طرق الإثبات والتي يتطلب اللجوء إليها العديد من القضايا وجب علينا لدارسة الخبرة الطبية التطرق إلى الجهات القضائية المخول لها قانونا ندب الخبراء وبعد ذلك التعرض إلى كيفية تعيين الخبير ورده والمهام التي يقوم بها إضافة إلى حقوقه وواجباته وهذا ما سوف نقف عنه في هذا المطلب وذلك على النحو الآتي بيانه:
 المطلب الأول: الجهات المخول لها ندب الخبراء الطبيين :

أولا: جهات التحقيق:
 والمتمثلة في رجال الضبطية القضائية، النيابة العامة، قاضي التحقيق وغرفة الإتهام.
1-ندب الخبراء الطبيين من طرف الضبطية القضائية والنيابة العامة:
لما كانت الضبطية القضائية تعمل تحت إشراف السيد وكيل الجمهورية ليس لهم اتخاذ أي إجراءات التحقيق في الدعوى إلا بناءا على انتداب من النيابة العامة وعليه يسخر الخبراء الطبيين من طرف الضبطية والنيابة في حالات كثيرة أهمها:
- حالة التلبس:
حيث نصت المادة 42 ق.إ.ج على أنه في حالة التلبس بجناية يجب على ضباط الشرطة القضائية المبلغ بها إخطار وكيل الجمهورية على الفور والانتقال دون تمهل إلى مكان الجناية وإتخاذ جميع التحريات اللازمة للمحافظة على الآثار التي يخشى اختفاؤها، ومن بين تلك الإجراءات انتداب خبراء طبيين شرعيين ودعوتهم للحضور لمسرح الجريمة والبحث في الآثار القائمة والتي قد تزول مع مرور الوقت وكذا الفحص الخارجي للجثة ومعاينتها.

- في جرائم الضرب والجرح بقصد أو دون قصد
يندب الخبراء الطبيين لفحص الضحية وتقديم شهادة طبية تحرر فيها مدة العجز الكلي المؤقت ITT لأن هذه المدة يتوقف عليها تكييف وقائع الضرب والجرح إلى مخالفة أو جنحة طبقا للمواد 422-264- 266 من ق.إ.ج وإذا نتج عنها عاهة مستديمة تكيف الوقائع على أنها جناية وبذلك يلتمس السيد وكيل الجمهورية من السيد قاضي التحقيق بموجب طلب افتتاحي فتح تحقيق حول القضية.
 
- في حالة الوفاة المشكوك فيها
طبقا للمادة 62 ق.إ.ج يندب الخبراء لتشريح جثث المتوفين أو إستخراج جثث المتوفين المشتبه في وفاتهم وتشريحها لمعرفة سبب الوفاة وكيفية حدوثها وفي هذه الحالة لا يجوز للأطباء الشرعيين مباشرة عملية التشريح ولا التصريح بدفن الجثة إلا بإذن من النيابة العامة المختصة. وفي حالة إستخراج الجثة يجب أن ينتقل عضو النيابة مع الطبيب الشرعي لحضور تلك العملية فإن لم يتيسر له ذلك فيجب عليه أن يكلف الضبطية القضائية بمرافقته.
وما تجدر الإشارة إليه بالنسبة للدليل الطبي الشرعي في مرحلة التحقيقات الإبتدائية أن له أهمية بالغة بالنظر إلى المرحلة المبكرة التي يجمع فيها مباشرة بعد وقوع الجريمة، نظرا للطابع المؤقت لبعض الأدلة الطبية مثل إجراء العينات المنوية على ثياب أو جسم الضحية.
 
2-ندب الخبراء من طرف جهات التحقيق:
لقد نصت المادة 147 من ق.إ.ج على أنه يجوز لقاضي التحقيق ندب خبير أو خبراء وقد نظم المشرع الخبرة في مرحلة التحقيق في المواد من 143 إلى 165 من ق.إ.ج والإستعانة بالخبراء تكون بناء على ما يراه المحقق مناسبا، وتهدف الخبرة في هذه المرحلة إلى مساعدة المحقق مناسبا، وتهدف الخبرة في هذه المرحلة إلى مساعدة المحقق على كشف الحقيقة وجمع كل المعلومات  اللازمة التي تمكنه من توجيه وتدعيم بقية إجراءات التحقيق الأخرى فالخبرة تساعد قاضي التحقيق على تكوين عقيدته وتحليل فرضياته لينتهي في الأخير إلى إصدار أمر الذي يراه مناسب في القضية وبالتالي فالخبرة تجد المجال الواسع لتطبيقها في مرحلة التحقيق وتتمثل جهات التحقيق في :
 
أ)-قاضي التحقيق:
 يعتبر أكثر القضاة إستعمالا لهذا الإجراء ويختار قاضي التحقيق الخبير من الجدول الذي تعده المجالس القضائية بعد استطلاع رأي النيابة العامة غير أنه يجوز له بصفة استثنائية  وبأمر مسبب تعيين خبير غير مقيد بالجدول المذكور، ويختار الخبير إعتبارا لكفاءته للنظر في المسألة الفنية مهمة الخبير وعليه فإن الخبير يقوم بمهمته تحت مراقبة قاضي التحقيق وعلى إتصال به وأن يحيطه علما بتطورات الأعمال التي يقوم بها ويمكنه من كل ما يجعله في كل حين قادر على إتخاذ الإجراءت اللازمة ولقاضي التحقيق تسليم الخبراء وسائل الاثبات التي يحتاجون الاطلاع عليها وإذا كان الأمر يتعلق بإحراز مختومة لم تفتح بعد ولم تتم جردها يتعين على قاضي التحقيق أن يعرضها على المتهم قبل إرسالها للخبير وأن يعدد هذه الأحراز في المحضر الذي يحرر خصيصا لإثبات تسليم هذه الأشياء.
وفي إطار مهمته يمكن للخبير إذا استعصت عليه مسألة خارجة عن اختصاصه أن يطلب من قاضي التحقيق ضم فنيين آخرين إليه يعينهم بأسمائهم ولتفادي طول مدة الخبرة أعطي المشرع لقاضي التحقيق تحديد مهلة لإنجاز الخبرة م 148 ق.إ.ج وله تمديد هذه الفترة بأمر مسبب .
غير أن المشرع الجزائري لم ينص صراحة على الاستعانة بالخبراء الطبيين في مرحلة التحقيق الإبتدائي واكتف بالنص على جمع الأدلة والبحث والتحري عن مرتكبي الجرم كما أنه لم يحدد إجراءات جمع الاستدلالات  التي تترك لتقدير رجال الضبط القضائي حسب ظروف كل جريمة.
وقد نص المشرع في المادة49 ق.إ.ج على أنه لضباط الشرطة القضائية إذا اقتضى الأمر إجراء معاينات لا يمكن تأخيرها ، الاستعانة بأشخاص مؤهلين لذلك على أن يؤدوا اليمين كتابة على إبداء رأيهم بما يمليه عليهم الشرف والضمير وبالنسبة للنيابة العامة وباعتبارها سلطة إتهام لها أن تأمر الأطباء الشرعيين لاستيفاء ما يكون في التقارير الطبية من نقص ليتيسر لها التصرف في القضية على أساس واضح وسليم.  
 
ب)- غرفة الاتهام:
باعتبارها درجة ثانية في التحقيق يحق لها إتخاذ جميع إجراءات التحقيق المحولة لقاضي التحقيق وعليه يجوز لها انتداب الخبراء لفحص مسألة فنية جديدة لم تكن من قبل موضوع بحث فني، كما يجوز لها إذا اسبق انتداب خبير في القضية أن تطلب منه بحث مسائل أخرى كما يجوز لها بناء طلب النائب العام أو أحد الخصوم أو حتى من تلقاء نفسها أن تأمر باتخاذ جميع إجراءات التحقيق التكميلية التي تراها لازمة م186 وللقاضي المعني من طرف غرفة الاتهام لإجراء التحقيق التكميلي أن يأمر بإجراء خبرة.
وقد نصت المادة 190ق.إ.ج على إجراء التحقيقات التكميلية يقوم بها إما أحد أعضاء غرفة الاتهام وإما نائب التحقيق الذي تندبه لهذا الغرض. وما تجدر الإشارة إليه أن تدخل غرفة الاتهام يكون إثر استئناف أمر رفض، جراء الخبرة الصادر عن قاضي التحقيق من طرف المعني بالأمر الذي يلزم بإخطار غرفة الاتهام مباشرة بهذا الرفض خلال 10 أيام. ولغرفة الاتهام أجل 30 يوما للفصل في الطلب تسري من تاريخ إخطارها ويكون قرارها غير قابل لأي طعن(1).
وفي حالة أخرى يكون تدخل غرفة الاتهام عندما يرسل وكيل الجمهورية المستندات إلى السيد النائب العام لكون الجريمة تعتبر جناية فإن هذا الأخير يحيل الملف إلى غرفة الاتهام هذه الأخيرة عندما ترى أن التحقيق لم يكتمل بعد لها سلطة تعيين قاضي من طرفها لإجراء تحقيق إضافي له صلاحية أن يأمر بإجراء خبرة .
 
ثانيا:  جهــات الحكم:
إن القانون لا يحتم على القضاة الاستعانة بالخبراء من أجل وصف أمور واضحة في ذاتها بل ترك لهم مطلق الحرية في أن يقرروا بأنفسهم الحقيقة التي يقتنعوا بها من الشهادات والأدلة الأخرى، غير أنه في المسائل الفنية التي تستدعي معرفة خاصة ودراسة علمية فإن الاستعانة بالخبراء الطبيين يصبح من المسائل الضرورية التي يجنح إليها القضاة من أجل تكوين قناعتهم والابتعاد عن الريبة. وقد نصت المادة 219 ق.ا.ج على انه :" إذا رأت الجهة القضائية لزوم إجراء خبرة فعليها إتباع ما هو منصوص عليه في المواد من 143 إلى 156".
ومنه فإن إجراءات ندب الخبراء من طرف جهات الحكم تخضع لنفس القواعد والإجراءات والشكليات المتبعة في مرحلة التحقيق المنصوص عليها في المواد من 143 إلى 156 ق.إ.ج وتتمثل جهات الحكم التي تستعين بالخبراء فيما يلي :

1- محكمة المخالفات:
من أهم القضايا المعروضة على محكمة المخالفات التي تعتمد فيها على الخبرة الطبية الشرعية : الضرب الجرح سواء كان بقصد أو دون قصد، وحوادث المرور حيث يحدد الخبير الطبي مدة العجز الكلي المؤقت عن العمل والتي بموجبها يمكن للمحكمة معرفة مدى اختصاصها للنظر في القضية المعروضة عليها طبقا للمادة 422 ق.ع.

2- محكمة الجنح :
لقد نصت المادة 356 ق.ا.ج على أنه : إذا تبين أنه من اللازم تحقيق تكميلي يجب أن يكون ذلك بحكم ويقوم بهذا الإجراء القاضي نفسه... ومن بين  إجراءات التحقيق التكميلية ندب خبراء طبيين لفحص المتهم أو الضحية ويكون ذلك غما من تلقاء نفسها أو يطلب من الخصوم. غير  أنه ليست للمحكمة الإجابة عن كل ما يطلبه منها المتهم من التحقيقات التكميلية إذا ما رأت في عناصر الدعوى وما تم فيها من تحقيق يكفي لتكوين عقيدتها أو أن الأدلة المقدمة إليها كافية لبناء قناعتها فلها رفض طلب الخصوم الرامي إلى تعيين خبير إذا تبين لها أن غايتها المماطلة، أو أن موضوعه لا يرتبط بجوهر القضية أو أن طبيعة القضية لا توجب الاستعانة بالخبراء. غير أنها ملزمة بأن تنفي حكمها على ذلك صراحة وأن تبين فيه أسباب الرفض
 
3- محكمة الجنايات:
لقد نصت المادة 276 ٌ.إ.ج أنه : يجوز لرئيس محكمة الجنايات إذا رأى أن التحقيق غير واف  أو استكشف عناصر جديدة بعد صدور قرار الإحالة أن يأمر باتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق... ويجوز له أن يفوض لإجراء ذلك قاض من أعضاء المحكمة وتطبق في هذا الصدد الأحكام الخاصة بالتحقيق الابتدائي ويجوز لها في هذه الحالة أن تؤجل القضية المجدولة في تلك الدورة على دورة أخرى إذا كانت القضية غير مهيئة للفصل فيها كأن تستوجب تحقيق تكميلي طبقا للمادة 278 ق.إ.ج(1)

4- محكمة الأحداث :
لقد نصت المادة 453 ق.إ.ج على أن لقاضي التحقيق القيام بإجراء تحقيق غير رسمي أو يأمر بإجراء فحص طبي والقيام بفحص نفساني... فقاضي التحقيق هو الذي يقوم بالتحقيق في الجنح التي يرتكبها الأحداث وبالتالي تخول له جميع السلطات للتحقيق في مجال الأحداث بما فيها ندب الخبراء للتعرف على شخصية الحدث والحالة العقلية والنفسية له وغير ذلك من المسائل الفنية .
والخبرة أمام قضاة الأحداث تخضع  للقاعدة العامة أي لحرية قاضي الأحداث في ندب الخبير وفي تقدير تقرير الخبرة.

5- الغرفة الجزائية:
بالرجوع إلى المادة 430 ق.إ.ج فإنها تنص على أنه" تطبق أمام المجلس القضائي القواعد المقدرة للمحاكم.."
فالأصل أن جهة الاستئناف المتمثلة في الغرفة الجزائية تبني قضاءها على ما تستخلصه من التحقيقات التي أجرتها المحكمة ومن وسائل الأوراق المعروضة عليها فهي غير ملزمة بالتحقيق إلا استكمالا لما كان يجب على المحكمة إجراؤه.
 
 
ثـالثا:  جهات تنفيذ العقوبة :
قد يحصل أن يصبح الحكم نهائي قابل للتنفيذ غير أنه هناك حالات توفق تنفيذ ذلك الحكم لعدة أسباب منها الحالة العقلية للمتهم، ومن أجل التحقيق من ذلك يجب الإستعانة بخبراء طبيين، وهذه الحالات تناولها قانون تنظيم السجون وإعادة التربية.
ويعود الإختصاص في تأجيل أو وقف تنفيذ العقوبة إلى قاضي تطبيق العقوبات الجزائية الذي يوجد على مستوى كل مجلس قضائي باعتباره المختص بتنفيذ العقوبة وعليه إذا تبين له أن المتهم مصاب بعاهة عقلية أو بجنون أن يعرضه على الطبيب المختص لفحصه والقول ما إذا كان يتمتع بكافة قواه العقلية أو أنه في حالة جنون ومدى قدرته على تحمل الاعتقال.
وقد نصت المادة 16 من قانون إصلاح السجون على أنه: لا يجوز منح الاستفادة بالتأجيل المؤقت للأحكام الجزائية للمحكوم عليه إلا في حالة ما إذا كان المحكوم عليه مصاب بمرض خطير معاين من طرف طبيب تسخره النيابة ويتناقض مع وجوده في الحبس .
 
المطلب الثاني : إجراءات ندب الخبراء الطبيين ومهامهم : 
الخبير بصفة عامة هو كل شخص له دراية خاصة بمسألة من المسائل التي لا يأس القاضي من نفسه الكفاية العلمية أو الفنية لحلها. أما الخبير الطبي فهو طبيب يساعد القاضي في يحث المسائل الطبية التي تهم العدالة كتحديد سبب الوفاة وتاريخ وقوعها والأدات المستعملة في القتل أو الإصابة أو الجرح وفحص الإصابات بجميع أنواعها وما إذا كانت حقيقية أو مفتعلة وبيان أنواع السموم وتأثيرها وفحص حالات الجنون وغير ذلك من المسائل التي تظهر فيها الحاجة الماسة لتسخير خبير مختص حسب كل قضية . ولما كانت الخبرة ضرورية ومهمة في كثير من الدعوى الجزائية وجب لدراسة الخبرة التطرق إلى الخبرة إلى كيفية تعيين الخبير ورده والمهام التي يقوم بها إضافة إلى حقوقه وواجباته وهذا ما سنتعرض إليه في هذا  الفرع .

أولا : تعيين الخبير الطبي ورده :

1-تعيين الخبير الطبي :
المقصود من تعيين الخبير الطبي هو الإستعانة برأيه للتحقق من إثبات أو نفي واقعة كليا أو جزئيا أتقدير قيمتها، غير أن رأيه لا يرقى لأن يكون دليلا ملزما للمحكمة التي ندبته،فلها أن تأخذ به إن رأت في ذلك ما يساعدها في إقامة حكمها ولها أن تتغاضى عنه إن هي لم تطمئن إليه .
 
وتعيين الخبير من طرف جهات التحقيق أو الحكم يكون إما بناء على طلب من النيابة العامة وإما من تلقاء نفسها أو من الخصوم طبقا لنص المادة 143 ق. إ. ج مع إلزامية تحديد الخبير في قرار الندب والتي لا تهدف إلا لفحص مسائل ذات طابع فني (المادة 146 ق.إ.ج) فالخبير لا يستطيع أن يباشر مهمته من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم بل يجب أن يصدر أمر الندب من الجهة القضائية التي خول لها القانون ذلك كما أنه لا يجوز أن تكون مهمة الخبير عامة لأن في ذلك تخلى القاضي عن مهامه (1) بل يجب تحديد مهمته بدقة ووضوح حسب نوعية وخصوصية المسائل المطروحة في كل قضية .

وقرار نذب الخبراء يخضع للسلطة التقديرية للقاضي من حيث ضرورته ومدى ملائمته للوقائع المعروضة عليه وهو لا يدخل ضمن الأوامر القضائية التي يصدرها القاضي لأنها لا تفصل في مسائل قانونية وفي حالة ما إذا طلب الخصوم ندب خبير طبي ورفض قاضي التحقيق أو قاضي الحكم ذلك وجب عليه تسبيب الرفض لأن عدم ذكر ذلك يعد من أسباب نقص وإبطال الحكم كونه أخل  بحق من حقوق الدفاع لأنه قد يكون طلب إجراء خبرة هو الدفاع الوحيد الذي يستطيع به المتهم الدفاع عن نفسه وهذا ما نصت عليه المادة 143 ق.إ.ج وكرسته المحكمة العليا في العديد من قراراتها (1) .
ويقتضي أن يكون الحكم أو الأمر القاضي بندب خبير متضمن البيانات التالية :
- ذكر إسم ولقب الخبير المعين بكل وضوح وذكر اختصاصه وعنوانه
- تاريخ التكليف أو التسخير
- إسم وصفة السلطة التي عينة الخبير
- تحديد المهام المسندة إليه والنقاط الفنية التي تتطلب شرح أو توضيح
- تحديد المهلة اللازمة للخبير لتقديم تقريره حتى لا تطول فترة التقاضي وتضيع حقوق المتقاضين ويمكن تمديد هذه المدة بناء على طلب الخبير إن إقتضى الأمر ذلك وإذا لم يودع الخبير تقريره في الميعاد المحدد له يجوز إستبدال بغيره وفي هذه الحالة يلزم الخبير الأول بأن يقدم نتائج ما قام به من أبحاث ورد جميع الأشياء والأوراق التي سلمت له في إطار إنجاز مهمته في ظرف 48 ساعة م 148 ق.إ.ج 
 
- ويختار الخبراء من الجدول الذي تعده المجالس القضائية بعد إستطلاع رأي النيابة العامة ويجوز للجهة القضائية بصفة إستثنائية أن تختار بقرار سبب الخبراء ليسوا مقيدين بالجدول على أن يؤدي الخبير قبل مباشرة مهمته اليمين القانونية المحددة في المادة 145 ق.إ.ج وذلك أمام الجهة القضائية التي ندبته(1) وإذا وجد مانع من حلف اليمين لأي سبب وجب ذكر ذلك السبب وتحديده مع أداء اليمين كتابتا وإرفاق ذلك بملف الدعوى م 145/الأخيرة. ويترتب على عدم أداء اليمين بطلان الخبرة.
              
2-رد الخبير :
الرد هو إجراء خوله المشرع لأطراف الخصومة للوقوف في وجه الخبير الذي عينته المحكمة وتبديله بغيره إذا كان  يخشى منه تحيزا ، وللمحكمة أن ترفض طلب الرد إذا لم يكن مستندا على سبب جدي ووجيه . وما تجدر الإشارة إليه هنا أن هذا الإجراء يتعرض له المشرع الجزائري ولذا غالبية التشريعات كالفرنسي، اللبناني...في المجال الجزائي بل ورد ذكره في قانون إجراءات مدينة في المادة 52 منه . والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصياغ هل يجوز تطبيق أحكام الخبرة الواردة في قانون إجراءات مدنية على الخبرة في القضايا الجزائية عن طريق القياس ؟
وكإجابة عن هذا السؤال نستطيع القول أن المنطق لا يتمتع من رد الخبير في المسائل الجزائية وذلك لأن العملة في كثير من الأحيان تأثير في سير الدعوى وفي قناعة القاضي خصوصا وأنه يتناول مسائل لا علم للقاضي لها ولأن المفروض في الخبير أن تتوفر فيه الكفاءة والنزاهة والتجرد فإن كان موضوع شبهة فلا يمكن الركون إليه
وإذا كان طلب الرد هو حق الأطراف الخصومة إلا أنه يجوز للخبير التقديم طلب للجنة القضائية التي عينته من أجل نتيجة أي إعفائه من المهمة المسندة إليه وذلك إذا كانت لديه أسباب أو أعذار منطقية تبرر طلب التنحية   
 
وبالرجوع إلى المادة 52 من قانون إجراءات مدينة تجدها كنص على أن طلب الرد يقدم خلال 08 أيام من تاريخ تبليغ الخصوم بتعيين الخبير على أن يفصل في هذا الرد دون تأخير ويمكن حصر أسباب الرد كما جاء في المادة السالفة الذكر في عنصرين هما :
- عنصر القرابة القريبة
- عنصر الجدية في الأسباب

(2)- ملف رقم 38154 قرار بتاريخ 30/12/1986
 
وبالرجوع الواقع العملي نجد أن رد الخبير يلجأ إليه في الحالات التالية :
- إذا كانت له أو لزوجه مصلحة شخصية في النزاع .
- إذا كانت هناك قرابة أو نسب أو مصاهرة بين أحد الأطراف والخبير
- إذا كانت له أو لزوجه أو أحد فروعها أو أصولها خصومة قائمة مع أحد الأطراف
-إذا كان قد سبق له أو لأحد أقاربه أو لزوجه أن تطر في الدعوى لقاضي أو خبيرا أو كان قد أدلى شهادة فيها .
- إذا كانت بينه وبين أحد الأطراف عداوة أو مودة يرجح معها عدم إستطاعته الحكم بغير ميل
- إذا كان أحد الأهداف دائنا أو خادما له .
ويتم الفصل في طلب الرد المقدم من الخصوم أو في طلب النتيجة المقدم من الخبير متى كانت أسباب الرد أو النتيجة الواردة في الطلب مؤسسة وإذا قبلت الجهة القضائية التي ندبت خبير ذلك الطلب وجب عليها في نفس الوقت تعيين خبير أخر للقيام بالمهمة نفسها أما إذا كان الطلب غير مؤسس أي أن السبب غير مقنع أو غير جدي يجوز رفض الطلب وبالتالي يبقى الخبير ملزم بالقيام بالمهمة المسندة إليه .

خاتمة:
 معظم التشريعات تتناول الخبرة والخبراء فحاولنا عرض القواعد العامة الأساسية المنظّمة لمسألة الخبرة والمواقف القانونية والفقهية والإجتهادية منها مع تأكيدنا على أهمية الخبرة كمؤسسة قانونية أصبحت تحتلّ مكاناً متميّزاً في الإثبات وفي إنارة الطريق أمام أجهزة العدالة من هنا نرى ضرورة التدقيق جيداً في اختيار الخبراء سواء لجهة الكفاءة العلمية أو لجهة الأمانة والإستقامة ونرى ضرورة التعاون في هذا المجال مع النقابات المختصّة لجهة الإختيار مثل نقابات الأطباء والمهندسين والصيادلة وغيرها بغية إيجاد جهاز من الخبراء الأخصائيين يحوز على ثقة الذين يعتمدون عليهم في مهام الخبرة القضائية ضمن المجال القانوني .

المراجع
1- الدكتور : أحسن بوسقيعة-التحقيق القضائي ضوء قانون 10/11/2004 – الصنف 233/05 –دار هومة –الطبعة الخامسة 2006.
2- الدكتور : العربي شحط عبد القادر ، الأستاذ نبيل صقر –الإثبات في المواد الجزائية في ضوء الفقه و الاجتهاد القضائي –دار الهدى عين مليلة – الجزائر سنة 2006.
3-الأستاذ : جندي عبد الملك – الموسوعة الجنائية الجزء الأول –دار العلم – الطبعة الثانية.
4-الأستاذ : طاهري حسين –الخطأ الطبي و الخطأ العلاجي في المستشفيات العامة –دراسة مقارنة الجزائر ، فرنسا – الصنف 071/5 – دار هومة طبعة 2004.
5-الأستاذ : طاهري حسين- دليل أعوان القضاء و المهن الحرة –الصنف 055/5 – دار هومة طبعة 2002.
6-الدكتور : علي عوض حسن – الخبرة في المواد المدنية و الجنائية – دار الفكر الجامعي بالإسكندرية –طبعة 2007.
7-الدكتور : عاطف النقيب –أصول المحاكمات الجزائية دراسة مقارنة – دار المنشورات الحقوقية.
8-الدكتور : عبد الحميد الشواربي – الخبرة الجنائية في مسائل الطب الشرعي – منشاة المعارف بالإسكندرية.
google-playkhamsatmostaqltradent