إن التحريات المرتبطة بالبحث في مسرح الجريمة و استجماع الأدلة، هي تحريات تتطلب قدرا كبيرا من الكفاءة و النزاهة و الحياد.
و هذا يجعل أصابع الإشارة تتجه مباشرة إلى الجهات المكلفة بالبحث، و خاصة ضباط الشرطة و الدرك، الذين تقع عليهم مسؤولية كبرى في هذا المجال، و خاصة حينما يتعلق الأمر بالتلبس بالجرائم.
فحياد العناصر المكلفة بالبحث و اتصافها بالأمانة، يجعلها تستجمع كافة الأدلة، سواء كانت لصالح المتهم أو ضده، أما إذا غاب الحياد فإن كل الأدلة التي قد تكون لصالح المتهم يتم طمسها، و لا يتم الاحتفاظ إلا بأدلة الإثبات، أو العكس يتم التخلص من أدلة الإثبات و الاحتفاظ بأدلة النفي، و إذا كان هذا لا يحصل في جميع القضايا فهو حاصل بالتأكيد في بعضها.
و طمس معالم الجريمة يؤدي إما إلى إقبارها، أو على الأقل إلى تخفيف التكييف الجنائي الحقيقي الذي تستحقه. و هكذا قد يؤدي العبث بالأدلة إلى تغيير واقع جريمة قتل عمدية، إلى حادث سير نتج عنها قتل غير عمدي مثلا، و العديد من جرائم القتل لا يتم الكشف عنها إلا بعد إصرار ذوي حقوق المجني عليه، على كون الوفاة لم تكن طبيعية و مطالبتهم بتشريح الجثة الذي يكشف المستور.
و الواقع العملي يبرز كيف لا يلتزم بعض المكلفين بالبحث الجنائي بالحياد، و ينحازون إلى بعض الأطراف عن طريق توجيهه مثلا، لإثبات عدم حضوره في مسرح الجريمة أثناء ارتكابها من خلال الاستعانة بشهود جاهزين لقول أي شيء أو اصطناع أدلة، في حين يرفضون الاستماع إلى شهود الطرف الآخر، أو حجز أدلة معينة بعين المكان مفيدة في البحث، مما يجعل النيابة العامة تتدخل في كثير من الملفات لإرجاع التوازن للبحث القضائي.
بل إن طمس معالم الجريمة قد لا يكون متعمدا، و لكنه يقع لا محال بفعل الإهمال و التقصير، حينما تتثاقل أجهزة البحث عن التدخل في الوقت المناسب لضبط المجرم في حالة تلبس، و رغم استغراقه وقتا طويلا في ارتكاب جريمته، مما يؤدي إلى اندثار أي أثر يمكن أن يدل على مرتكب الجريمة.